حول العالم

تعزيز الشمول المالي في المنطقة العربية:خطوة نحو العدالة الاقتصادية والتنمية المستدامة

د. واصف يوسف العابد

رئيس المنظمة العربية للتنمية المستدامة
خبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية

مقدمة

في عالم يتسارع نحو الاقتصاد الرقمي، تزداد أهمية الشمول المالي كأداة استراتيجية لتحقيق العدالة الاجتماعية، والتمكين الاقتصادي، والتنمية المستدامة. فالشمول المالي لا يعني مجرد فتح حسابات مصرفية، بل هو حق اقتصادي يُتيح للأفراد، خصوصًا الفئات المهمشة، الوصول إلى الخدمات المالية بمختلف أنواعها بطريقة آمنة، ميسّرة، ومنصفة.

في المنطقة العربية، حيث تُعاني العديد من المجتمعات من فجوات تنموية وبنيوية، يُعد تعزيز الشمول المالي ضرورة وطنية وقومية لبناء مجتمعات أكثر صمودًا وشمولية.

ما هو الشمول المالي؟

الشمول المالي هو قدرة الأفراد والمؤسسات على الوصول واستخدام المنتجات والخدمات المالية الرسمية (مثل الحسابات البنكية، القروض، التأمين، الدفع الإلكتروني) بشكل ملائم وفعال.

ويتجاوز ذلك ليشمل:

· التمكين الاقتصادي للنساء والشباب.

· دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

· تعزيز الحماية الاجتماعية المالية.

· الحد من الاقتصاد غير الرسمي.

أهمية الشمول المالي للتنمية الاقتصادية

1. تحفيز النمو الاقتصادي المحلي من خلال دمج شرائح جديدة في الاقتصاد الرسمي.

2. تعزيز الادخار والاستثمار لدى الأسر والأفراد.

3. دعم رواد الأعمال وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تُشكّل العمود الفقري للاقتصادات العربية.

4. تمكين المرأة ماليًا مما يرفع من مساهمتها في سوق العمل.

5. تحسين كفاءة توزيع المساعدات والدعم الاجتماعي عبر التحويلات المالية الرقمية.

تحديات الشمول المالي في العالم العربي

رغم التقدّم النسبي، ما يزال الشمول المالي في العديد من الدول العربية ضعيفًا مقارنة بالمعايير العالمية. وتشمل أبرز التحديات:

· ضعف البنية التحتية المصرفية في المناطق الريفية.

· انخفاض الثقافة المالية لدى بعض الفئات.

· الفجوة الجندرية في امتلاك الحسابات المالية.

· محدودية ثقة المواطنين في الأنظمة المالية الرسمية.

· تحديات الحوكمة والتنظيم المالي.

الفرص المتاحة لتعزيز الشمول المالي

1. التحول الرقمي المالي: مثل المحافظ الإلكترونية، الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، والبلوكشين، يُمكن أن تسهم في الوصول إلى الملايين من غير المتعاملين مع البنوك.

2. التعليم المالي: عبر حملات توعوية تستهدف الشباب والنساء والمجتمعات الريفية.

3. الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتوفير منتجات مالية مناسبة ومرنة.

4. تشجيع التمويل الأصغر الإسلامي والمجتمعي كوسيلة مستدامة ومتوافقة مع القيم المحلية.

5. بناء أنظمة قانونية وتنظيمية تشجع الابتكار وتحمي المستهلك.

دور المنظمة العربية للتنمية المستدامة

في إطار أهداف التنمية المستدامة، وتحديدًا الهدف 8 و10 و17، تعمل المنظمة العربية للتنمية المستدامة على:

· إطلاق مبادرات تدريبية ومجتمعية لتعزيز الثقافة المالية.

· دعم الابتكار الاجتماعي في التمويل الأخضر والرقمي.

· تعزيز الشراكة مع البنوك والمؤسسات المالية من أجل إدماج الشباب والنساء.

· الدعوة إلى استراتيجيات وطنية للشمول المالي ترتكز على العدالة والتمكين.

خاتمة ملهمة

الشمول المالي ليس ترفًا اقتصاديًا، بل حق أساسي ومفتاح لتحقيق التمكين والكرامة الإنسانية. في العالم العربي، حيث الموارد البشرية هائلة والطاقات الشبابية واعدة، فإن فتح الأبواب أمام الجميع للوصول إلى الأدوات المالية هو السبيل نحو اقتصاد أكثر عدالة، ومجتمع أكثر إنصافًا، ومستقبل أكثر استدامة.

إن تعزيز الشمول المالي هو رسالة تنموية، وعدالة اجتماعية، واستثمار في الإنسان. فلنُسرّع الخطى نحو أنظمة مالية لا تُقصي أحدًا، ولا تترك أحدًا خلف الركب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى