التنمية المستدامة والقضايا الجيوسياسية الناشئة في المنطقة العربية: فرص وعقبات


كتبه د. واصف يوسف العابد
رئيس المنظمة العربية للتنمية المستدامة
مقدمة
تواجه المنطقة العربية في الوقت الراهن تحديات جيوسياسية متسارعة تشمل النزاعات المسلحة، الأزمات الاقتصادية، التغيرات المناخية، وأزمات الطاقة والمياه، مما يُلقي بظلاله الثقيلة على مسار التنمية المستدامة. ومع ذلك، فإن هذه التحديات تحمل في طياتها فرصًا كامنة لإعادة هيكلة نماذج التنمية، وتعزيز التكامل الإقليمي، وبناء مجتمعات قادرة على الصمود.
التنمية المستدامة: المفهوم والدور
تمثل التنمية المستدامة نموذجًا متكاملاً يهدف إلى تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بحقوق الأجيال القادمة. وهي تستند إلى ثلاثة أبعاد متداخلة: الاقتصادي، الاجتماعي، والبيئي. وقد تبنت معظم الدول العربية أجندة أهداف التنمية المستدامة 2030، إلا أن التفاوت في مستوى التقدم بين الدول يظل واضحًا، نتيجة تباين السياسات والموارد، وتأثير الأزمات.
القضايا الجيوسياسية الناشئة: تأثيرها على التنمية
من أبرز القضايا الجيوسياسية التي تؤثر في مسار التنمية المستدامة بالمنطقة:
- النزاعات الإقليمية والصراعات المسلحة: تؤدي إلى استنزاف الموارد وتعطيل الاستثمارات في البنية التحتية والتنمية البشرية.
- أزمات الطاقة والمياه: النزاع حول الأنهار، ومشاريع الطاقة العابرة للحدود تُعقّد العلاقات الثنائية، وتؤثر على الأمن الغذائي والمائي.
- الهجرة والنزوح القسري: تخلق ضغوطًا كبيرة على الدول المستقبلة للاجئين وتحديات في تحقيق العدالة الاجتماعية والاستدامة.
- التغير المناخي والتصحر: تزداد الحاجة إلى التعاون العابر للحدود لمواجهة الكوارث البيئية وبناء منظومات إنذار مبكر.
الفرص المتاحة أمام المنطقة
رغم التحديات، فإن المنطقة العربية تملك فرصًا كبيرة لدفع عجلة التنمية المستدامة، من أبرزها:
- تعزيز التكامل الاقتصادي العربي: من خلال مشاريع البنية التحتية الإقليمية، كالممرات الخضراء، وشبكات الطاقة المتجددة.
- التحول الرقمي: توظيف التكنولوجيا لتعزيز التعليم والصحة والخدمات، وتسهيل الوصول إلى البيانات من أجل اتخاذ قرارات مستنيرة.
- الاستثمار في الطاقات المتجددة: موقع المنطقة الاستراتيجي وقدراتها الشمسية والريحية تجعلها مركزًا عالميًا للطاقة النظيفة.
- تمكين الشباب والنساء: عبر دعم ريادة الأعمال الخضراء والبرامج التدريبية المستدامة.
العقبات التي تواجه مسار التنمية
- ضعف الحوكمة البيئية والمؤسساتية.
- نقص التمويل الموجه للمشاريع المستدامة.
- عدم استقرار السياسات الإقليمية.
- ضعف التعاون العربي الجماعي في إدارة الموارد المشتركة.
مشاركة المنظمة العربية للتنمية المستدامة في المنتدى العربي 2025 – لبنان
بصفتنا رئيس المنظمة العربية للتنمية المستدامة، فإن مشاركتنا في المنتدى العربي للتنمية المستدامة 2025 ببيروت – لبنان تأتي انطلاقًا من إيماننا العميق بأهمية الحوار العربي المشترك لمجابهة التحديات الجيوسياسية برؤية تنموية شاملة. وسنقدّم خلال الفعاليات ورقة عمل محورية بعنوان:
“خارطة طريق عربية نحو تنمية مستدامة مرنة في ظل النزاعات الجيوسياسية“
كما سنطرح مبادرة استراتيجية بالتعاون مع شركائنا الدوليين بعنوان:
“الدرع الأخضر العربي“
والتي تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي والمائي من خلال حلول مستدامة ومبتكرة ومشاريع تكاملية عابرة للحدود.
خاتمة
إن التنمية المستدامة في العالم العربي ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة حتمية في ظل الواقع المتشابك سياسيًا واقتصاديًا وبيئيًا. ويتطلب تحقيقها شراكة فاعلة بين الحكومات، المجتمع المدني، القطاع الخاص، والمنظمات الإقليمية. إننا في المنظمة العربية للتنمية المستدامة، نؤمن أن الإرادة الجماعية والابتكار هما مفتاح مستقبل أكثر استدامة وعدالة في العالم العربي.